الجمعة، 25 مايو 2018

مجتمعات فرّقتها السياسات الرجعيّة ووحدتها العمليات التجميلية


تعيش البلدان في العالم أجمع تحت جملة من الضوابط والمعايير المحكمة التي تتوارثها الأجيال عن بعضها البعض.





وتنظّم هذه المعايير الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للأفراد ويمكن أن تكون أقسى من القوانين ومن أحكام القضاء.

هذه الضوابط والقيم أسستها المجتمعات لتحدّد سلفا الأدوار والصفات التي سيضطلع بها الرجل والمرأة.

وتتغيّر هذه الصفات بتغيّر الزمان والمكان، فنسق الحياة في أوروبا يختلق عن البلدان العربية.

الا أن اجتياح العولمة ودخول الأنترنيت قلب الموازين وغيّر الأفكار ووحّد الآراء وفتح أبواب المعرفة والاطلاع على الآخر لتقاسم الخبرات والمعارف.

وتدخّلت العولمة في أبسط الأمور كما فرضت سيطرتها على الأذواق الخاصة والعامة للأفراد من خلال تحديدها لعلامات الجمال التابعة للرجل وللمرأة.

ومن المتعارف عليه أن المرأة قد احتلت مكانة مهمّة ومنزلة عالية لدى العرب قديما في الشعر والقصص عبر التغزّل بصفاتها ومدحها، وتعتبر المرأة السمينة المستديرة، ممتلئة الزند والساق وذات الشعر الطويل والعين السوداء والشامات المبعثرة في جسدها هي الفاتنة والمثيرة.

كما اعتبرت الصفات الرجولية الخشنة والصدر الواسع والعضلات الكبيرة والصفات الكريمة من معايير جمال الرجل، فاذا كان الرجل رقيقا وضعيفا وليّنا سيشبّه بالمرأة وبالمخنّث.

الا أنه بقدوم العولمة وغزو الفكر الغربي في العالم العربي أصبحت المجتمعات كالقطيع في تشابه أفكارها وأذواقها، فالتقليد الأعمى لكلّ ما يُبثّ للعقول والأنظار جعل من الفرد نسخة مطابقة للأصل لجاره وعمّه وقريبه...وأصبح بذلك العالم "قرية كونية متشابهة صغيرة".

وعزّزت الومضات الاشهارية الصور النمطيّة وحدّدت المعايير الجمالية لكل من النساء والرجال، ما جعل السباق نحو الحصول على جسم وملامح تجاري معايير العصر الراهن مشوّق.

فصور النساء التي احتلت الصفحات الأولى من المجلات والجدران وشاشات التلفزة كانت بوصلة المراهقات ودليل جمالهن الضائع.

جسد ممشوق، خصر نحيف، ملامح رقيقة، مؤخّرة كبيرة وثدي ممتلئ وجسم خال من العيوب...صفات لا يكتمل الجمال الا بها.

لذلك يلجأ العديد من الرجال والنساء على حد السواء إلى عيادات التجميل كحلّ جذري وآمن للحصول على بعض صفات الاثارة التي ذكرناها.

عملية رفع الفخذ، تكبير المؤخّرة والثدي، شفط الدهون هي عمليات تحتاجها حتما كل فتاة للفوز بمظهر بموصفات عالمية، وهي من العمليات الرائجة في مجال الجراحة التجميلية والتي تجرى يوميا في المصحات الخاصة وعيادات الأطباء.

ويخضع كذلك الرجال إلى مثل هذه العمليات ولكن لتعزيز رجولتهم بجسد كامل وبنية قويّة عبر عمليات شدّ ربلة الساق وتصغير حجم الثدي وشدّ البطن وتكبير القضيب...

  ان التهافت على عيادات الأطباء وعمليات التجميل وتغيير الملامح الطبيعية المزعجة ليست الا خير دليل على سعي الانسان للوصول إلى الجمال والراحة النفسية إضافة إلى أهميّة صورته الاجتماعية أمام الآخر.

لكن هل أن كل ما قيل في هذا المقال يجعلنا نتفاءل حول مستقبلنا لأننا أمة تحب الجمال أم نتشائم لأننا أمّة فقدت هويّتها واتخذت من الغرب نسخته المزيّفة؟
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق