الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

ظاهرة قتل الأمَهات!!! ومأساة تستفزَ القلوب الرَحيمة وأصحاب النفوس السويَة والسَليمة



يقتل أمَه أثناء الصلاة إرضاء لزوجته، شاب تونسي يقتل والدته ويدفنها في الحديقة ....القيروان : يقتل أمَه بآلة حادَة ويعتدي على عون أمن أثناء إيقافه ....جميعها عناوين لمقالات إخباريَة نشرت على مختلف المواقع الإعلاميَة التي تناولت جرائم قتل بشعة وهو أقل ما يمكن أن يقال عنها ،قام فيها أبناء بقتل أمَهاتهم عمدا ومع سابق الإصرار والترصد تحت رايات وحجج واهية فمنهم من فعل ذلك إرضاء لزوجته والآخر طمعا بالميراث ومنهم من تعلَل بالجنون ليبرَر فعلته الشَنيعة والأمثال والأقوال طويلة ولا تنتهي ولكن َ السَؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : ما الذي جعل مثل هذه الظواهر الشَاذة تظهر في مجتمعنا العربي الإسلامي ؟ هذا المجتمع الذي لطالما قدَس الأم و جعلها في أرقى المراتب ؟ كيف يمكن للأم الحنون التي تعتبر المرأة الأهم والأقرب إلى قلب الرَجل تتحوَل إلى عدو مقيت يجب التَخلَص منه؟ أم أننا وصلنا إلى درجة خطيرة من البعد عن الدين وعدم الخوف من الله تجعل الإنسان يؤثر مصلحته وأهدافه ومطامعه على أجمل مخلوق في الحياة وهي الأم؟ 


لا تختلف العقول حول تمجيد الله للوالدين وتحديدا الأم وأمره لنا بمصاحبتهم في الدنيا والرفق والرحمة بهما، فهما منبع الحنان ومصدر التَوفيق والثَبات في الحياة، وهذا ما تؤكَده التَجارب الواقعيَة في الحياة حيث بينت دراسات حديثة أنَ الأشخاص الذين نشؤا في بيوت يملأها حب الأم وحنانها هم أكثر نجاحا وتألَقا في مختلف مجالاتهم الحياتيَة (الدَراسة، العمل، الزواج وحتَى في علاقاتهم الإجتماعيَة) وفي هذا السياق يؤكَد أطبَاء الأمراض النَفسية وحتَى العصبيَة أنَ العلاقة المتوتَرة بين الأبناء وآبائهم وتحديدا الأم غالبا ما تبنيها السنوات أي على مراحل ففي حالة غياب الأعذار المرضيَة المثبتة طبيَا (مرض ذهاني ، عقلي أو عصبي شديد) فإنَ الحقد الذي يولد داخل الطفل أو الإبن ضد أمَه يعود إلى إمكانية وجود ممارسات غير متوقَعة من قبل الأم (الصرامة المفرطة ، القسوة المجانيَة أي الضرب والتعنيف دون سبب أو إقتراف ذنب .. ) كما يرى أطبَاء علم النَفس أنَ الإهمال المفرط أو التَفرقة بين الأبناء من شأنه أن يولَد داخل الإنسان حقد خفي يتحوَل إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة في وجه هذه الأم القاسية، هذه الفرضيَة لا تبرء قاتل أمَه من الجرم المقترف لأنَ الأم مهما كانت مذنبة أو مقصَرة تبقى أمَا ولولى مكانتها المقدَسة لما جعلت الجنَة تحت أقدامها، ولقد أوصى الله بالوالدين في كتابه العزيز حتَى وإن كانا مخطئان بل وأمرنا برحمتهما حتَى وإن كانا مقصَران حيث يقول عز وجل في سورة لقمان "وإِنْ جَاهَدَاكَ على أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" .

فأمرنا بمصاحبتهما بالمعروف في الحياة رغم كلَ شيء وهذا خير دليل على أنَ الإبن لا يحق له معاقبة والديه أو محاسبتهما ، وخاصَة الأم التي خصَها الرسول صلَى الله عليه وسلَم بأهم أحاديثه فأوصى بطاعتها وبرَها والأحاديث كثيرة ولعلَ أشهرها الحديث الذي نقله الأخيار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك " فعلى كلَ إنسان ممتلك للفطرة السَليمة أن يدرك جيَدا معنى هذه التَوصيات وأن يتذكَرها قبل أن يوجَه أي كلمة جارحة إلى أمَه أو يصدر سلوك غير محترم تجاهها فمابالك بالذين يقتلون أمَهاتهم لأغراض ماديَة وأخرى واهية (الحرمان من الميراث ، التفرقة ....إلخ ).

 التنشأة الخاطئة من الأسباب 

وفي نفس الوقت يؤكَد خبراء علم النفس والإجتماع أنَ الأساليب التربوية المعتمدة من قبل بعض الأمهات خاصَة المبنية على العنف والشدة والتسلط تزيد من تعقيد المسألة رغم أنَ الحزم والنظام في بعض المواطن مطلوب ولكن بنسبة معقولة تمزج فيها الصرامة باللين والعقاب بالمكافئة لأنَ القسوة المفرطة خاصَة إذا صدرت عن الأم التي يجب أن تكون ملاذ الطفل أو المرء من قسوة القلوب والأيَام من شأنها أن تصنع فرد سيء وعدواني تجاه الآخرين فلا يمكن لشخص تربَى على الكره العنف والقسوة أن يعطي الحب والحنان وكما تقول الأمثال : فاقد الشيء لا يعطيه ومن يزرع الشَوك يجني الجراح ...

غياب الوازع الأخلاقي والدَيني 

وفي نفس السياق يؤكَد المربي الشهير / أنطون مكارينكو أنَه على الشخص المربَي أن يكون حكيما في تربيته فلا يعتمد القسوة والعنف لتعليم الطفل قواعد الحياة وفي نفس الوقت لا يجب أن يبالغ في تدليل الطفل أو التساهل معه لأنَ هذا الأسلوب لا يقل خطرا عن التربية القائمة على الشدة والتسلّط مع الأطفال  ويرى علماء الإختصاص أنَ الحل المثالي لتجنَب نشوء علاقة صراع سلبيَة بين الإبن وأمَه خاصَة هو التركيز على الجانب النَفسي عند الطفل أثناء عمليَة التربية وتغذيته روحيَا من خلال مدَه بالعطف والحنان بقدر معقول وتعزيز ثقة الطفل بنفسه كي لا يخرج إلى المجتمع كفرد مليء بالعقد ، الإحباط والإضطرابات والتي قد لا يجني ثمارها سوى المربَي في حدَ ذاته ، ولا يخفى عنَا أنَ غياب الوازع الديني والأخلاقي هو الذي دفع بهؤلاء الأبناء إلى إرتكاب مثل هذه الجرائم في حق أمهاتهم الاَتي سهرنا على تربيتهم وتنشئتهم لذلك يجدر التذكير بالدور الهام الذي قد تلعبه المدرسة والهياكل التربوية والدينيَة لزرع قواعد إحترام الوالدين وتربية الطفل على قداسة مكانة الأم وترسيخ فكرة أنَها خط أحمر لا يجب أن يتجاوزه مهما صدر منها ومهما  إشتدَ توتَر العلاقة فاللأم وطن لا يجب أن تطاله السيوف وحصن منيع لا يجب تجاوزه مهما كانت الظروف لذلك لا بدَ من تسليط أشد العقوبات على كل من تسوَل له نفسه رفع يده على أمَه وإلغاء مختلف الأعذار فالتي أمر ببرها رب السَماء لا يجب أن تطالها اليد البغضاء التي لا تصدر إلاَ من الجبناء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق